كيف يستطيع المسلم أن يحوز احترام الآخرين؟
يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض
السؤال
كيف يستطيع المسلم أن يحوز احترام الآخرين؟
الجواب
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله و صحبه و من والاه و بعد :
فإن الله خلق الإنسان في هذه الحياة وجعل الإنسان اجتماعيا يعيش مع بني جنسه يألفهم و يألفونه
وقد وجهنا الله تعالى إلى ما يرسخ فضيلة الاحترام حيث قال ﴿ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا ﴾ [البقرة ٨٣]
والناس بفطرتهم يحتاجون حاجة ماسة إلى من يعترف بهم، ويقدرهم، ويثني عليهم، ويحفزهم ويهتم بهم،
وقد أشار القرآن الكريم و السنة النبوية إلى عدد من الآداب الاجتماعية التي تكسب الإنسان محبة الناس له و احترامهم إياه فمنها :
1) معاملة الناس على أساس قيم واحدة؛ لأن الشخص المهذب اللطيف الكريم، لا يستطيع أن يتلون في سلوكه، بل هو مؤدب مع الجميع قال تعالى : ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الحجرات ١١] فلا يلقى الناس بوجوه متعددة، فهو يكرم الجميع، ويصبر على الجميع، ويحاول فهم الجميع، ويعمل على مساعدة الجميع، ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع.
2) حسن الظن بالناس وعدم الإساءة إليهم بالغيبة و التجسس قال تعالى : ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحجرات ١٢]
3) – الـتـواضـع: و هو السلوك الفعال في كسب القلوب وأسر العقول، لذلك لا تجد نبيًا إلا متواضعا، وقد بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين أن التواضع هو السر في إمالة القلوب واستقطابها، وأن الغلظة والتعالي سبب البعد والنفور، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ ﴾ [آل عمران ١٥٩]
وقد مدح الله تعالى المتواضعين وذم المستكبرين وتوعدهم بالعذاب الأليم، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [المائدة ٨٢] وقال تعالى: ﴿وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الشعراء ٢١٥]
4) الصدق وتجنب الكذب وقد عرف العلماء الصدق بأنه: «مطابقة ما ينطق به اللسان، لما هو مستكن في القلب والوجدان»، أما الكذب فهو ضده، وهو الغش الاجتماعي، والصدق منهج تربوي إسلامي، والصدق في الأقوال يؤدي إلى الصدق في الأفعال مما يؤدي إلى صلاح الأحوال، وزيادة المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فيتقدم المجتمع ويعمه الرخاء والازدهار.. وعلى النقيض إذا انتشر الكذب انتشر معه الفساد والاضمحلال والكساد، بما يؤدي لضعف المجتمع وزوال هيبته لأن الكذب يؤدي إلى الفجور عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»([1]) .
5) التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم و العدوان: قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2]،
6) أداء الأمانة: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، فالمجتمع الذي تضيع فيه الأمانة، فهو مجتمع لا أمان فيه، تضيع فيه الحقوق، ينتشر فيه أمراض القلوب من الحقد والكره والغضب مما يؤدي إلى انتشار الكراهية و البغضاء و احتقار الناس لبعضهم
7) المعاملة الطيبة مع جميع الناس كإلقاء السلام على من نلقاه في طريقنا، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ»([2]).
8) والتبسم في وجهه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ »([3]).
9) والاعتذار عند الخطأ، و قبول اعتذار الآخرين وليس الاعتذار دليل الضعف أو الغباء والسذاجة كما يظن البعض ، بل هو القوة، والثقة، والنقاء، والصفاء، والحب، والود
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ»([4]) . و كذلك قبول العذر و العفو و الصفح قال تعالى: ﴿ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [الشورى ٤٠] وقال ﴿ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ [النور ٢٢]
ولبعضهم:
* اقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِراً
* * إِن بر عِندَكَ فيما قالَ أَو فَجَرا
* فَقَد أَطاعَكَ مَن يرضيك ظَاهِرُهُ
* * وَقَد أَجَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا
قال عبد الله بن المبارك: (المؤمن طالب عذر إخوانه والمنافق طالب عثراتهم).
* مثــل المعجـب فـي إعجـــابه * * مثل الواقف في رأس الجبل
* يبصر الناس صغارا وهو في
* * أعين الناس صغيرا لم يزل
10) عدم التكبر على الآخرين وإهمالهم والاستخفاف بهم، وقد أحسن من قال: (إن المتكبر مثل الصاعد في الجبل، يرى الناس صغاراً، ويرونه صغيراً!)
وختاما فمن أهم أسباب كسب قلوب الناس و احترامهم السعي لتحصيل محبة الله سبحانه و تعالى و كل ما سبق طريق إليها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ »([5]).
نسأل الله أن يجعلنا ممن يحبهم و يحبونه إنه جواد كريم ([6])
([1]) أخرجه البخاري (6094) ومسلم (2606)
([2]) أخرجه البخاري (1240) ومسلم (2162)
([3]) أخرجه ابن حبان (474) والترمذي (1956) والبزار (3917)
([4]) أخرجه مسلم (2588) وابن خزيمة (2438) وابن حبان (3248) والترمذي (2029)
([5]) أخرجه البخاري (3209) ومسلم (2637)
([6]) من الكتب النافعة في هذا الموضوع : كتاب: “50 شمعة لإضاءة دروبكم” د عبد الكريم بكار
[الشيخ] محمد فايز عوض
هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض من مواليد دمشق – سوريا 1965
درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها
خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985
حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور في باكستان.
له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،
مدرس في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية
مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول
عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم:
والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.