كيف يحقق المسلم خُلق التواضع كما ورد في قوله تعالى: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً”؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

كيف يحقق المسلم خُلق التواضع كما ورد في قوله تعالى: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً”؟

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ ‌الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].

تشير هذه الآية إلى أهمية التواضع في سلوك المسلم؛ فـ”الهون” يعني اللين والرفق. والمراد أن عباد الرحمن يتصفون بالتواضع، فيمشون بسكينة ووقار، دون تكبر ولا تجبر. وهكذا ينبغي أن يكون حال المسلم في كل شؤونه، يمشي بسكينة ووقار، من غير استكبار ولا تجبر، يطأ الأرض برفق، ويعامل الناس بلين، دون رغبة في علوٍّ في الأرض أو فساد، كما قال تعالى في وصية لقمان لابنه:
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ 
[لقمان: 18].

لكن ليس المقصود من التواضع أن يتصنع المسلم المرض أو الرياء في مشيته، بل المطلوب هو السكينة والوقار المقترن بعزة المؤمن. وقد كره بعض السلف التظاهر بالضعف في المشي، حتى روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى شابًا يمشي ببطء، فقال: “مالك؟ أأنت مريض؟” قال: “لا، يا أمير المؤمنين”. فضربه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة. (1)

علامات التواضع ودلائله
:
  • أول علامات التواضع هي الاعتراف بفضل الله تعالى؛ أي أن يُقرَّ المسلم بأن جميع النعم التي يرفل فيها من الصحة والعافية وغيرها هي محض فضل الله سبحانه، كما قال تعالى:
    ﴿قُلْ ‌بِفَضْلِ ‌اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58].
  • ومن دلائل التواضع أيضًا، الاعتراف بفضل الناس وإحسانهم، والتعامل معهم بأدب واحترام، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    “‌مَنْ ‌لَمْ ‌يَشْكُرِ ‌النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ” [سنن الترمذي: 1954].
وأخيرًا، هناك علاقة وثيقة بين العبودية لله تعالى وبين خلق التواضع؛ فكلما زادت عبودية المسلم لله، ازداد تواضعه وظهرت هذه الصفة في سلوكه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“وما ‌تواضع ‌أحد ‌لله ‌إلا ‌رفعه ‌الله” [صحيح مسلم: 2588].

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر:
(1): ابن الجوزي، سيرة عمر بن الخطاب، باب المشي بالقوة.
(2): سنن الترمذي (1954).
(3): صحيح مسلم (2588).

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.