كيف نعالج مشكلة عدم احترام الصغار لكبار السن؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أصبح الكثير من الناس يشكون اليوم من عدم احترام الصغار لكبار السن، كيف نعالج هذه المشكلة؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

يرجع السبب الرئيسي و المباشر في هذه المشكلة إلى إهمال الآباء تربية الأبناء على ذلك فهم المسؤولون أولاً ثم المعلمون و المربون، ثم غالبية وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر مساوئ الأخلاق و سوء الآداب، و قلة الاحترام، و التطاول على الكبار في السن أو العلم أو المكانة أو القدر

و لعلاج هذه المشكلة لا بد من التكامل بين هذين المسارين : التعليم و التوجيه النظري، والتربية والتأديب العملي منذ الصغر.

أولاً- التعليم والتوجيه النظري

و هذا الأسلوب ينفع أكثر مع الأطفال الذين هم في مرحلة التمييز وما بعدها، و يقوم هذا الأسلوب على تعريف الأولاد بالآداب و الأخلاق الخاصة في كيفية التعامل مع الكبار من خلال الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة، وما نُقل عن السلف الصالح من الأقوال و الأخبار و السلوكيات، و هنا لا بد من الإشارة إلى ذلك الكتاب المهم جداً “من أدب الإسلام” للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، الذي جمع فيه من الآداب ما لا يسع المسلم تركها، والتي يجب تربية الأولاد عليها ، وقد شرحنا هذا الكتاب لأبنائنا الشباب في دورة خاصة بعنوان (التحلي بمكارم الأخلاق -المستوى الثاني)

و قد أفرد الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين باباً خاصاً سماه: (باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم ، وإظهار مرتبتهم)

و سنذكر فيما يأتي بعضاً من تلك النصوص الشرعية والأقوال والأخبار المنقولة عن السلف الصالح التي تحض على احترام كبار السن وتوقيرهم:

– عن أبي  موسى الأشعري رضي اللَّه عنه أنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تعالى إِكْرَامَ ذي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ ، والجَافي  عَنْهُ وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ » رواه أبو داود .(1)

– وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبيِهِ، عن جَدِّه رضي اللَّهُ عنهم قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ،وَيَعْرِفْ شَرفَ كَبِيرِنَا» رواه أبو داود والترمذي (2)

– وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ما أَكْرَم شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّه لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْد سِنِّه » رواه الترمذي (3)

ثانياً – التربية والتأديب العملي منذ الصغر

وهذا يكون بشكل مباشر: عن طريق توجيه تصرفات و سلوك الأطفال بشكل عملي،

و يكون بشكل غير مباشر: عن طريق القدوة العملية، فمثلاً عندما يرى الطفل أباه يُقبِّل يد العلماء و يحترمهم، و يُجل الكبار و يقدّرهم؛ سيفعل مثله وهكذا …

 الآداب العملية التي يجب تربية الأولاد 

يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: ”اعرف للكبير قدره و حقه :
– فإذا ماشيته فسر عن يمينه متأخراً عنه بعض الشيء.
– و إذا دخلت أو خرجت فقدمه عليك في الدخول و الخروج.
– و إذا التقيت به فأعطه حقه من السلام و الاحترام.
– و إذا اشتركت معه في حديث فمكِّنه من الكلام قبلك ، و استمع إليه بإصغاء و إجلال .
– و إذا كان في الحديث ما يدعو للمناقشة فناقشه بأدب و سكينة و لطف ، و غض من صوتك في حديثك إليه.
– و إذا خاطبته أو ناديته فلا تنس تكريمه في الخطاب و النداء.“(4)

ثم أورد -رحمه الله- بعض النماذج من السنة الشريفة وأخبار السلف الصالح في توجيه الأولاد و تربيتهم على ذلك، فقال:

– جاء أخوان إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليحدثاه بحادثة وقعت لهما، و كان أحدهما أكبر من أخيه، فأراد أن يتكلم الصغير؛ فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم :(كبِّر  كبِّر)  متفق عليه. أي أعط الكبير حقه، و دع لأخيك الأكبر الكلام. (5)

– وحكى الحافظ ابن رجب الحنبلي في ترجمته الفقيه أبي الحسن علي بن المبارك الكرخي، و قد تتلمذ على الإمام الفقيه القاضي أبي يعلى الحنبلي شيخ الحنابلة في عصره رحمة الله تعالى عليهما

، قال :” قال لي أبو يعلى يوماً -وأنا أمشي معه- : إذا مشيت مع من تعظمه، أين تمشي منه ؟ قلت : لا أدري، قال : عن يمينه، تقيمه مقام الإمام في الصلاة، و تخلي له الجانب الأيسر، فإذا أراد أن يستنثر أو يزيل أذى، جعله في الجانب الأيسر“.(6)

– و حدّثَ هشام بن عروة عن أبيه ، أن أبا هريرة رضي الله عنه رأى رجلاً يمشي بين يدي رجل، فقال له : ما هذا منك؟ قال : أبي، فقال له : فلا تمشِ بين يديه، و لا تجلس حتى يجلس، و لا تَدْعُهُ باسمه .رواه البخاري في الأدب المفرد و عبد الرزاق في مصنفه و اللفظ له. (7)

و هذه نماذج من أدب الصحابة الشباب مع كبارهم:

– عن أَبي سعيد سَمُرة بنِ جُندب – رضي الله عنه – قَالَ: لقد كنتُ عَلَى عَهْدِ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ إلَاّ أنَّ هَاهُنَا رِجَالًا هُمْ أسَنُّ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (8)

– وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا). فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، [و في رواية: فاستحييت، و في رواية لمسلم: فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ -أي كبارهم سناً-، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ]،فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هِيَ النَّخْلَةُ). فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا، لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ” متفق عليه

وبناء على ما سبق فإنه ينبغي تعليم الأولاد احترام الكبار منذ الصغر وتربيتهم على ذلك بشكل نظري وعملي ، وبطريقة مباشرة وغير مباشرة كما بيناه أعلاه، مع الدعاء لهم، و الله أعلم

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ

الهوامش:
1- سنن أبي داود : رقم (4843).
2- سنن أبي داود: رقم  (4943)، وسنن الترمذي: رقم  (1920).
3- سنن الترمذي : رقم (2022)
4- كتاب من أدب الإسلام للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الأدب رقم (16) صفحة (32)
5- من أدب الإسلام، صفحة (32)
6- من أدب الإسلام، صفحة (33)
7- من أدب الإسلام، صفحة (44)
8-  صحيح البخاري: رقم (1331)، وصحيح مسلم: رقم (964)
9- صحيح البخاري: رقم (5792)، وصحيح مسلم: رقم (2811)