كيف نحاور المسلم النباتي الذي لا يجوِّز أكل الحيونات وما يأتي منها؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نحاور المسلم النباتي الذي لا يجوِّز أكل الحيونات وما يأتي منها؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، و بعد :

لا بد في محاورة هذا الإنسان من التركيز بداية على توضيح مرجعية الأحكام بالنسبة لنا -نحن المسلمين-؛ فالمشرّع و المحلل و المحرّم هو الله تبارك وتعالى، كما صرّح بذلك في كتابه وخاصة ما جاء في شأن الأطعمة فقال: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ..﴾ ، ثم لا بد من توضيح الحكمة من خلق هذه الحيوانات عامة و الأنعام المأكولة اللحم خاصة، ثم استعراض الأدلة التفصيلية و النصوص الشرعية التي تدل على إباحة هذه الأطعمة مع ذكر ما يستثنى منها ، و الله أعلم

التفصيل و البيان :

 بدايةً لا بد من التفريق -في سبب الامتناع عن أكل كل ما يُشتق من الحيوانات- بين أمرين : هل هو حالة شخصية مزاجية لهذا الإنسان؟ أم هو نتيجة حكم شرعي يعتقده ؟

فإذا كان حالة شخصية؛ فيمكن عندئذٍ أن ننصحه و نتحاور معه حول الفوائد الطبية و الغذائية التي تشتمل عليها هذه الأغذية الحيوانية و مشتقاتها، و هذا يرجع إلى أهل الاختصاص

و أما إذا كان يعتقد حرمة ذلك من الناحية الشرعية -كما هو السؤال- فعندئذٍ لا بد من مراعاة الخطوات التالية في إقناعه و محاورته ، وهي :

1- توضيح أن مرجعيتنا في الأحكام الشرعية -نحن المسلمين- ترجع إلى ما شرّعه الله تعالى لنا في القرآن الكريم و ما ورد في السنة الشريفة، و ما يرجع إليهما كالإجماع و القياس و غير ذلك من مصادر التشريع المعتبرة عند علماء الأمة، و لا يجوز لأي أحدٍ مهما أوتي من سلطة أو علم أن يحرّم ما أحل الله و لا أن يُحلَّ ما حرّم الله سبحانه و تعالى؛ يقول الله تعالى : ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف ٣٢]

2- توضيح الحكمة من خلق هذه الحيوانات أو الأنعام، و كيف أنها مسخرة لهذا الإنسان، يقول الله تعالى : ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل 5-8]

3- إيراد الأدلة و النصوص الشرعية التي تدل على إباحة هذه اللحوم و مشتقات الحيوانات مأكولة اللحم كالأنعام أو ما ينتج عن بعض المخلوقات الأخرى -كالنحل مثلاً – ونبين له بشكل مبسط أن الله تعالى هو الذي أجاز  لنا ذلك، و هو الذي خلق هذه الحيوانات و سخرها لمنفعة الإنسان، يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة 1]  ويقول أيضاً : ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج 36] و قال في شأن النحل و العسل : ﴿ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  ﴾ [النحل 69]

4- و أخيراً إذا كان هذا المسلم يقصد من تحريم تناول هذه الأطعمة الحيوانية ما قد يترتب عليها من ضرر صحي و غير ذلك فنقول له : هذا ما جاءت به الشريعة أيضاً؛ و لذلك حُرّمت بعض هذه اللحوم و الأطعمة في حالات معينة كما في قوله تعالى : ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام ١٤٥]

و يقول تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ⁠لِكُمۡ فِسۡقٌۗ ﴾ [المائدة ٣] و في هذا كفاية و الله أعلم

التوجيه العملي:

 اعلم أخي المسلم أن التحليل والتحريم إنما هو من شأن الشرع الشريف، و بالتالي لا يجوز لنا أن نحلل ما حرّمه الله، كما لا يجوز أن نحرم ما أحله الله تعالى ، و قد ثبت يقيناً في القرآن إباحة هذه المأكولات ، فإن استطابتها نفسك فكل منها، و إن كرهتها فدعها و لا حرج عليك، و لكن دون اعتقاد تحريمها، هذا ما يمكن نقوله لهذا الذي يحرّم هذه المأكولات و الله أعلم، وفقنا الله و إياكم جميعاً إلى ما يحبه و يرضاه .

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ