بعض الورثة قد يغيبون زمنا طويلا، كيف يكون التعامل الشرعي في توزيع إرثهم في هذه الحالة؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

بعض الورثة قد يغيبون زمنا طويلا، كيف يكون التعامل الشرعي في توزيع إرثهم في هذه الحالة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

إن المال في الإسلام له قيمة ومكانة ذلك أنه أحد الضروريات الخمس التي لا بد من تحققها ليعيش الإنسان حياة كريمة هانئة
والمال في الإسلام ركن من أركان الدين، كما هو ركن من أركان الدنيا. أما كونه من أركان الدنيا فأمر يعرفه الجميع ولا يجادل فيه أحد، وقد قالوا: المال قِوام الأعمال، والمال قوام الحياة. وهو معنى مذكور في قوله تعالى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا) [النساء: 5].

وأما كونه من أركان الدين فيتجلى أولا في الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو ركن الزكاة. فالزكاة مال وعبادة مالية، وركن مالـيٌّ من أركان الإسلام.

ويكفي المالَ فضلا أنه يمكِّن صاحبَه من العيش بكرامة وعفة: يُعطي ولا يَطلب، وينفق ولا يَسأل. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ»([1]) .

و عن عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»([2])

وقد حفظ الله للإنسان حق التملك للمال الذي اكتسبه وحرم على الإنسان أن يأكل مال غيره بغير حق فقال تعالى: (وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) [البقرة: 188].

وتوعد سبحانه وتعالى من يأكل مال اليتيم ظلما بالعذاب الشديد فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا) [النساء: 10].

لذلك حفظ الله للإنسان ملكه للمال وتملكه للمال و أولاه عناية فائقة فلا ينتقل مال الإنسان إلى غيره عن طريق الإرث إلا بعد تحقق موته ولابد لانتقال المال إليه أيضا عن طريق الإرث من تحقق حياته عند موت المورث فمن الضروري التحقق من هذين الأمرين حياة الوارث عند موت المورث وموت الوارث لكي ينتقل ماله إلى الورثة([3])

والسؤال الذي معنا يفهم منه أن الورثة غائبين فماذا نفعل إذا أردنا قسمة التركة وإتماما للبحث سنتكلم عن كلا الموضوعين عن غيبة الوارث وماذا يفعل بماله وعن غيبة الورثة وماذا يفعل بحقهم ويعبر عن هذا في كتب الفقه بباب ميراث المفقود فما المراد بالمفقود؟

هو لغة: من الفَقد، وهو أن تطلب الشيء فلا تجده.

واصطلاحًا: هو مَن غاب فلم تعلم حياته أو موته.

و المفقود إما مورث و إما وارث :

أما المورث :

يعتبر المفقود حيا بالنسبة لأمواله ، فلا يرث منه أحد ، ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقة بالمشاهدة أوالخبر المتواتر ،
فإذا ثبت بالبينة أن المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان، لزوال الجهالة التي كانت تحيط حياته أو موته ، و يقسم ماله عند ثبوت موته على ورثته
فإن لم يثبت موته حقيقة ينتظر العمر الغالب

قال في المنهاج (فَيَجْتَهِدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يُعْطِيَ مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ)([4])

وقال الشافعية في الصحيح المشهور عندهم أن تقدير تلك السن متروك لاجتهاد الإمام، ومنهم من قدره باثنتين وستين سنة ، أو بسبعين ، أو بثمانين ، أو بمائة ، أو بمائة وعشرين سنة([5])

و أما الوارث :فإن مات أحد مورِّثيه خلال مدة الانتظار ننظر:

1- إن لم يكن له وارثٌ غير المفقود أوقفنا كل المال حتى يتبين حال المفقود.

2- إن وجد مع المفقود مزاحم في ميراث هذا الميت

فيعامل الورثة الحاضرون بالأضر في حقهم من تقدير حياته وموته، فمن كان يرث على فرض أنه حي وعلى فرض أنه ميت ولا يختلف إرثه على الفرضين جميعا يعطى إرثه

ومن كان يرث على الفرضين جميعا ولكن إرثه يختلف يعطى أقل النصيبين، ومن كان يرث على فرض ولا يرث على الفرض الآخر لا يعطى شيئا، ويوقف المال أو الباقي حتى يتبين الحال إما بظهور موته أو بظهور حياته أو حتى يحكم قاض بموته وهذا قول أحمد بن حنبل، وقول القاضي أبي يوسف والحسن بن زياد من الحنفية ورواية القاسم عن مالك وهو الصحيح من مذهب الشافعية وهو الذي عليه الفتوى والعمل في المذاهب الأربعة. ([6])

نسأل الله أن يكرمنا بالمال الحلال و يخلصنا من كل جرام و شبهة إنه سميع مجيب

([1]) البخاري (1427) ومسلم (1034)
([2]) البخاري (73) ومسلم (815)
([3]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي 6/420 وحاشية البجيرمي على الخطيب 3/308
([4]) حاشية البجيرمي 3 / 260 .
([5]) مغني المحتاج 3 / 26 ـ 27
([6]) شرح الرحبية في علم الفرائض بشرح سبط المارديني ص145 وأحكام الإرث المتعلقة بالمفقود والغائب في الفقه الإسلامي مريم كيرد ــــ نسرين حامدي

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.