الجزء الثاني من مقال المسائل الوجودية في المنظور القرآني للدكتور عصام عيدو

الشيخ الدكتور عصام عيدو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية والمتخصص في علوم الحديث، يقدم طرحا في المسائل الوجودية في المنظور القرآني، يشمل الكلام فيه عن التفكر والتعقل في إطار السياق القرآني، وخاصة الوارد في قصة إبراهيم عليه السلام وسؤالاته لربه التي تبعث على التأمل، وهي سؤالات تتعلق بالحياة والموت، التي هي مسألة وجودية لا يمكن للإنسان النفاذ إليها، ويشمل الحديث كذلك عن اطمئنان القلب حول قضية الوجود، وتلك أمور تدعو إلى التفكر والتعقل وعدم اتباع فكر الآباء فيما هم عليه؛ لأن الإنسان بذلك يخرج عن حدود وقيود الزمان والمكان؛ كما خرج إبراهيم عليه السلام فكان أمة قانتا لله كما وصفه الله تعالى في كتابه.

الغيب والشهادة والحكمة الإلهية من الخلق

بسم اله الرحمن الرحيم

 

هذه الورقة هي الجزء الثاني المكمِّل للجزء الذي نوقش فيه مسألة الأفول والحياة والموت. في هذا الجزء ستُناقش مسألتان: الغيب والشهادة، والخير والشر والحكمة الإلهية من الخلق

 

الغيب الشهادة:

ما وراء مسألة الحياة والموت هناك قضية وجودية أخرى ركز عليها النص القرآني بشكل جلي، هي مسألة الغيب والشهادة. وقد تجلى هذا الربط بين القضيتين قضية الحياة والموت وقضية الغيب من خلال هذا النص القرآني: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} [يس ١١-١٢].

جاءت مفردة الغيب كصفة أولى في وصف المتقين في سورة البقرة: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة ٢-٤]. التصدير بوصف الإيمان بالغيب له مدلول بالغ الأهمية في فهم صفات هذا الصنف من الناس في مقابل الأصناف الأخرى الذين استعرضهم النص القرآني وهم الكافرون والمنافقون، كما أن هذا الوصف له مدلول مهم في فهم نظرية المعرفة أو ما يعرف بالابستمولوجيا الإسلامية ومداخلها ومخارجها. بخصوص المسألة الأولى وهي مسألة فهم صفات المتقين نجد أن كلتي الآيتين الثالثة والرابعة من سورة البقرة انتهتا بتقديم وتأخير “مما رزقناهم ينفقون” “وبالآخرة هم يوقنون” والمعهود حسب الترتيب المعهود أن تكون الجملة على الشكل التالي: “هدى للمتقين الذي يؤمنون بالغيب وينفقون مما رزقناهم، ويؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ويوقنون بالآخرة” وهو نظم فيه اختصار للكلام أكثر من النظم القرآني. الجواب التقليدي الذي يذهب إليه أغلب المفسرون هنا هو التأكيد على ما يعرف بـ “موافقة الفاصلة” أي الموافقة الصوتية التي تقع في آخر الكلمة في آخر كل سورة، وهذا ملاحظ في كلمات “يوقنون” “ينفقون” “مفلحون”… ولكن بقراءة دقيقة لصفة الإيمان بالغيب ولنظرية التقديم والتأخير في البلاغة العربية يمكننا إدراك مسار آخر في فهمنا لهذا التركيب القرآني المهم. فمن المعلوم أن جوهر التقديم والتأخير في البلاغة العربية يقوم على أساس فكرة تقديمِ ما حقُه الاهتمام، وفي حالتنا هذه، نجد أن ما قُدِّم كان حقه الاهتمام على ما أخِّر. فقضية الرزق قضية جوهرية في النص القرآني وفهمها من المسائل البالغة الأهمية في فهم قضية المساواة والخير والشر والعدالة والظلم والتفاضل. ولهذا فإن الإيمان بالغيب يعتمد بالدرجة الأولى على أن الاعتقاد بأن الرزق مقدم على الإنفاق وليس العكس. والأمر كذلك في موضوعة الإيمان بالآخرة؛ إذ الإيمان بالغيب يعتمد بالدرجة الأولى على أن الآخرة سابقة في الوجود على الإيمان البشري بها. إن هذا التقديم له حظ كبير في الدلالة، وليس تقديماً موسيقياً بحتاً فحسب، إنه تقديم يراعي جوهر هذه المسألة الوجودية التي تتعلق بقضية الغيب.

قدم النص القرآني تعريفاً آخر للغيب من خلال مفهوم البر -أو الخير حسب تأويل أغلب المفسرين- الذي انتقد فيه الفهم السائد الذي يقوم على أن البر يتعلق بتولي الوجوه قِبل الجهات والأمكنة. في هذا السياق لا بد أن نعود مرة أخرى إلى الشخصية الإبراهيمية ومقاومتها للصورة ومقاومتها للقيود الزمانية والمكانية الصنمية التي مشى عليها قومه، والتي انتهت به إلى الخروج عنها وإعلان براءته منها وإعلان دستوره “إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين”.

في هذا النموذج الإبراهيمي، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٧٩]، وفي مفهوم الغيب الذي قدمه النص القرآني {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون…} وفي مفهوم البر التفصيلي الذي استعرضته سورة البقرة {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ…} [البقرة: ١٧٧] يتجلى بشكل واضح أن المقصد الأساسي وراء قضية الغيب والشهادة هو الخروج من قيد الصورة إلى فضاء وعالم أرحب؛ هو إيجاد امتداد لهذا العالم الذي يعيشه الجنس البشري؛ هو الخروج من قيود الصور والألوان والأصناف والأنماط والأعراق والأجناس والبدايات والنهايات والأزمات والتقلبات والتغيرات إلى فضاء تنقلب فيه كل هذه الموازين فيصبح كل هذا الوجود بكل ما فيه وسيلة بيد الإنسان مسخر له؛ وهو ما يتجلى في آية {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ۲٩]، فيدرك الإنسان فعلياً حقيقة معنى “لكم” فتصبح الأشياء بيده لا في قلبه. وبهذا يمكن القول إن القرآن قدم تصوراً أساسياً من خلال هذه المسائل الوجودية لعدد من المفاهيم الإيمانية والأخلاقية والروحية كمفهوم الزهد والتوكل والسعادة.

بالانتقال إلى مفهوم الشهادة المفهوم الذي يقابل مفهوم الغيب نجد بدايةً أن مفردة الشهادة مشتقة من الفعل شهد الذي يفيد الرؤية والنظر خلافاً لمفهوم الغيب. ولكن بملاحظة أولية أيضاً نجد أن عالم الغيب مُطَلِّعٌ على عالم الشهادة، أي أن عالم الغيب يرى ويُبصر عالم الشهادة بينما عالم الشهادة لا يمكنه الاطلاع على عالم الغيب.

القرآن أشار بشكل واضح أن الله سبحانه وتعالى هو العليم الوحيد المطلع على عالم الغيب وأنه لا قدرة لأحد ولا يمكن لأحد معرفة ما يدور في عالم الغيب {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩]، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: ۲٩]، ولكن الله يجتبي رسلاً يطلعهم على بعض غيبه {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [آل عمران: ۱٧٩]، {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا}[هود: ٤٩]، والغيب المراد هنا هو أخبار الأقوام السابقين.

في سورة البقرة التي ورد فيها وصف المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب، وورد فيها تعريف البر الذي يقوم على الإيمان بالغيب، وورد فيها قصة النبي إبراهيم عليه السلام المتعلقة بتقلبات الكواكب في مجادلته للملك، نجد نصاً ذا صلة هنا يتعلق بتغير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. جوهر الجدل الذي ترتب على التغيير في القبلة هو فكرة التمسك بالجهات، الفكرة التي أراد القرآن نقدها وإعادة بناءها لدى المؤمنين، وإعادة إحياء المسار الإبراهيمي الذي يتلخص بمقولته {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين}. في هذا السياق، من اللافت أن نجد أن النص القرآني استخدم في وصف وظيفة المسلمين ووصف وظيفة النبي محمد عليه الصلاة والسلام صفة “الشهيد”: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: ١٤۳].

 بهذا الترتيب الهرمي، يصبح المسلمون أمة وسطاً، (ويجب ألا ننسى هنا أن إبراهيم في هذا السياق كان أمة. الأمة هنا تعني الخروج من عباءة الصور والأمكنة والجهات) ويصبح الرسول شهيداً على الناس. في شهادة المسلمين على الناس وشهادة الرسول على المسلمين ثمة أمرٌ لا بد أن نسأل عنه هو: ما هو محور الأمر الذي سيشهد به المسلمون على الناس، والأمر كذلك بالنسبة للرسول؟ إن فهم الشهادة لا يمكن أن يتم بمعزل عن فهم قضية التحول في جهة القبلة، ولا يمكن أن يفهم بمعزل عن الصورة الكبرى التي استهلها الله في الآية السابقة: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: ۱٤۲]، فبينما تبدو القبلة في عيون السفهاء جهة مُحكَمة لا تقبل التعديل، فإنها تبدو في عيون المؤمنين جهة تتغير حيث وجهُ الله وحيث صراطه المستقيم. في هذا الصراط المستقيم يتضح معنى الأمة الوسط، وهو معنى يتلخص في التوجه نحو مقصد الله في الكون نحو وجه الله في الكون، ليس إلى المشرق وليس إلى المغرب. ولأجل هذه المهمة سيكون المسلمون شهداء، وسيكون الرسول عليهم شهيداً. في هذه المهمة عودة إلى الرسالة الإبراهيمية التي لخصها في مقولته: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهي الملة الحنيفية الخالية من الشرك التي دعا الله الناس إليها في القرآن ولأجلها حمل إبراهيم وصف “الأمة” ولأجلها أيضاً جعل الله هذه الأمة أمة الوسط، الأمة التي تنتهج نهج إبراهيم النهج الذي لا تقيده الصور والجهات والأمكنة والأصناف والأنماط والأعراق والأجناس، النهج الذي يقوم على صراط الله المستقيم، الصراط الذي يؤسس لمقولة {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ۱۱٥].

 

الخير والشر والحكمة الإلهية في الخلق:

المسألة الوجودية الأخرى التي اعتنى بها النص القرآني هي مسألة الخير والشر وبيان الحكمة الإلهية من المظالم والمفاسد والكوارث والمصائب والشرور التي حدثت وتحدث للجنس البشري. والنص القرآني في الحديث عن موضوع الظلم والعدل في القرآن واضحٌ في أن الله لا يريد الظلم لعباده، وأنه لا يُقدّر الظلم، وأن الظلم منشأه فعل العباد، وأن الإنسان هو المسؤول الأول والأخير عن الظلم الحاصل في الأرض. وبالتالي فإن كل النتائج الكارثية التي تقع في الأرض ما هي إلا نتائج المظالم والمفاسد الكبرى التي يرتكبها الإنسان، وأن هذه الكوارث لا تستثني في شمولها أحداً: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: ۲٥]، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤۱]، فالفساد هو نتيجة الكسب الناتج عن الجنس البشري.

لكن في المقابل هناك أسئلة وجودية كبرى لا يزال العقل الإنساني يفكر فيها ولا يجد لها جواباً، وهي: هل الله يريد الشر؟ هل يجب على الله فعل الأصلح؟ هل صورة الله ينبغي أن تكون – وفقاً للتصور الإنساني – صورة جميلة تنتهي بفعل الخير والأصلح للبشرية؟ ولماذا ينجح الأشرار في التاريخ؟ وما هو منطق صعود وهبوط القوى؟ هل المنطق وراء الصعود والهبوط هو الحق المجرد والخير والإيمان أم يمكن للباطل أن ينتصر؟ هذه الأسئلة خلقت جدلاً كلامياً كبيراً في كل الأديان التوحيدية ومنها الدين الإسلامي وتولد منها مدارس كلامية كبرى عرف منها المدرسة الاعتزالية التي تبنت رؤيةً تقول إنه يجب على الله فعل الأصلح، والمدرسة الأشعرية التي لا توجب على الله شيئاً والتي تقول إن الله يريد الخير والشر ويريد الإيمان والكفر ولكنه لا يرضى بالشر ويرضى بالخير. وكلا المدرستين استمدت من القرآن تأويلاتهما.

وبشكل مختصر، يمكن القول إن النص القرآني واضح في تحديد أن الإنسان مسؤول عن أفعال نفسه، وأنه غير مسؤول عن أفعال غيره، وأنه مسؤول عن الظلم الواقع في الأرض، وأنه حر في اختياره، وأنه مميز في هذا الاختيار عن الملائكة، ولهذا جعله الله خليفة وجعله نسقاً مختلفاً في الخلق عن الملائكة، وأن الله مكَّن الإنسان من جميع الأرض وسخر له ما فيها وأعطاه قابلية العلم، وأن منافذ التعلم عنده مختلفة عن منافذ تعلم الملائكة، وأن الإنسان في امتحان دنيوي يسعى فيه إبليس حرفه عن الصراط المستقيم، وأنه في هذا الامتحان إلى يوم يبعثون.

وقد ساد الرأي الكلامي الأشعري التقليدي على أنه لا يتوجب على الله فعل الأصلح وأن الله عادل ومتفضل على عباده. وبالتالي فإن الشر الموجود في الأرض مراد من قبل الله ولكنه لا يرضى به وأن هذا الشر هو من فعل الإنسان وهو نتيجة للمظالم والمفاسد التي تكسبها النفس البشرية جميعها على هذه الأرض.