أشعر بالحرج عن التعبير عن محبتي لشخص ما (الحب في الله)، أخشى أن يفهم كلامي على وجه غير الذي أريد، ما الحل؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أشعر بالحرج عن التعبير عن محبتي لشخص ما (الحب في الله)، أخشى أن يفهم كلامي على وجه غير الذي أريد، ما الحل؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن الحب في الله هو من أعظم الأمور التي أكّد عليها ديننا و أمرنا بها و رتّب عليها الفضل و الأجر العظيم كما في قوله تعالى: ﴿الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ  ﴾ [الزخرف 67]
و
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ: -و ذكر منهم- : وَرَجُلَانِ تَحَابّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، …». متفقٌ عَلَيْهِ. (1)

و كحديث أنسٍ – رضي الله عنه – عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – أنه قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (2)

– ولتعميق هذه المحبة و زيادة أثرها و إفشائها في المجتمع المسلم؛ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بها و ذِكرِها للطرف الآخر، بل وقد طبّق ذلك بنفسه صلى الله عليه و سلم مع سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث أخذ بيدهِ، وَقال : «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». (1)

– وعن أنس – رضي الله عنه: ( أنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ، – صلى الله عليه وسلم – فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم: «أأعْلَمْتَهُ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «أَعْلِمْهُ»، فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ في الله، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ). (2)

فهذا هو الأصل -أيها الأخ السائل الكريم- في التعبير عن الحب في الله فيما بين المؤمنين، و لا يُلتفت إلى الوساوس أو الشكوك أو توقع سوء الفهم من قبل الطرف الآخر، و لتوضيح الإجابة أكثر لا بد من ذكر التفصيل الآتي :

1- إذا كان هذا الحب في الله من قِبَلِ رجلٍ تُجاه رجلٍ آخر تربطه معه مصلحة دنيوية ما ، و كان صادقاً في هذه المحبة ؛ فلا يلتفت إلى الوساوس أو توقع سوء الفهم من الطرف الآخر حتى ولو وقع ذلك منه فعلاً.
2- إذا كان هذا الحب بين الأهل و الأرحام من الأقارب و الأزواج، فلا يتوانى عن التصريح به و لا يتأخر ؛ لما في ذلك من زيادة المحبة و صلة الرحم
3- أما إن كان هذا الحب بين امرأة و رجل ليس من محارمها، أو بين رجل و امرأة ليست من محارمه؛ فهذا مما يندرج حكمه تحت الضوابط الشرعية في العلاقة بين الجنسين من غير المحارم، و من هذه الضوابط المهمة :
مراعاة الحشمة و العفاف في الأقوال و الأفعال و سائر التصرفات، و مراعاة حصول الفتنة أو فهم الأمور على غير حقيقتها، حتى و لو كان الإنسان صادقاً في هذه المشاعر الخالصة لله،
و لذلك قال الله تعالى :  ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب 32]، و بالتالي فلا يجوز التصريح به في هذه الحالة و الله أعلم

و على هذا، فلا حرج عليك أيها الأخ السائل الكريم بالتصريح و التعبير عن هذا الحب الخالص لله إذا كان في محله و مع أهله كما بيناه و فصلناه في الحالات أعلاه و الحمد لله رب العالمين

الهوامش:
1- سنن أبي داود : (1522)
2- سنن أبي داود : (5125)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ