أشعر أني غارق في الذنوب الكبيرة، كيف يمكنني محو ماضيي؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛

      فإن النفس البشرية فطرها الله تعالى على التنقل في أطوار مختلفة، قال تعالى مُقْسِمَاً بالنفس لِعِظَمِ شأنها وخطرها: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس: 7]، والنفوس أنواع: فهناك النفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية. وهناك أيضاً النفس اللوامة، وهذه النفس الأخيرة أقسم المولى تعالى بها كما في سورة القيامة: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: 2].

      والإنسان بطبيعته ليس كاملاً، وليس معصوماً عن الوقوع في أيّةِ معصية، وما أكثر ما يقع من الناس ولو كان ظاهرهم الصلاح والتقوى من الغيبة والنميمة، وهي من الكبائر التي يجب التوبة منها، ولكن وصوله إلى مرحلة التوبة لا تكون إلا بعد إقرار بوقوع الذنب والخوف منه، وهنا يأتي دور النفس اللّوّامة.

      قال الشيخ ابن عاشور في (تفسيره): “ووصفُ ﴿اللَّوَّامَةِ﴾ مبالغةٌ، لأنها تُكثر لوم صاحبها على التقصير في التقوى والطاعة. وهذا اللوم هو المعبر عنه في الاصطلاح بالمحاسبة، ولومُها يكون بتفكيرها وحديثها النفسي.

      قال الحسن: “ما يُرى المؤمن إلاّ يلوم نفسه على ما فات ويندم، يلوم نفسه على الشر لِم فعله وعلى الخير لم لا يستكثر منه”. فهذه نفوس خيّرة حقيقة أن تشرف بالقَسَم بها وما كان يوم القيامة إلاّ لكرامتها. والمراد: اللوامة في الدنيا لوماً تنشأ عنه التوبة والتقوى، وليسَ المراد لوم الآخرة إذ ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: 24]. ومناسبة القسم بها مع يوم القيامة: أنها النفوس ذات الفوز في ذلك اليوم” [1].

      والذي ينبغي على السائل، وفقه الله، أن يبادر إلى التوبة والاستغفار، واستشعار الندم، الذي هو من أركان التوبة الثلاثة، وتمامها: الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه. فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة، كانت التوبة توبة نصوحاً خالصة صادقة، تمحى بها الذنوب بإذن الله، فإذا تاب والعبد وأناب، عليه أن يتناسى ماضيه، وأن يعمر وقته بالطاعة واكتساب الأجور من فضائل الأعمال، وقال بعض العلماء: إن كان الذنب مرتبطاً بموضع، فعليه أن يهجر ويبتعد عن ذلك الموضع لأنه يذكره بمعاصيه ويخشى عليه أن يعود إليها لأن النفس الضعيفة الدنيئة قد تعود إلى الذنب بعد التوبة منه.

ونسأل الله لنا جميعاً التوفيق للتوبة النصوح، وأن يصلح منا الجسد والروح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.

د. محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير: 29/ 338.

---