أدعو الله كثيراً، ولكن في بعض الأحيان يخامرني شعور بالإحباط، وأخاف أن يكون هذا الشعور يفقدني الأمل في استجابة الدعاء.
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
أدعو الله كثيراً، ولكن في بعض الأحيان يخامرني شعور بالإحباط، وأخاف أن يكون هذا الشعور يفقدني الأمل في استجابة الدعاء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أخي السائل من الطبيعي أن تشعر باليأس عند عدم تحقيق ما تسأله ربك سبحانه، والسبب هو اعتقادك أن الدعاء مؤثر في الاستجابة، وهذا الفهم غير دقيق تماماً؛ لأن الله تعالى فعّال لما يريد، ولأن العبد المسكين يظن أن الخير كلّ الخير في تحقيق مطلوبه، ويحزن ويضجر إن لم يتحقق؛ والحقيقة أن الله تعالى يعلم ما يصلُح لعبده وما لا يصلُح له، فيختار ما يناسب هذا العبد السائل، ولو اطلع العبد على الغيب، ورأى كيف تسير مقادير العباد، لَعَلِمَ أن كثيراً مما يُلحّ فيه على ربه ويرجو تحقيقه، ويرى أن الخير في تحقيقه؛ هو خلاف مصلحته، بل ولتمنى ألاّ يستجيب الله تعالى دعائه. فكم من زوج ألحّ على ربه بالدعاء يريد الذرية، ثم لمّا رزقه الله تعالى الولد، تمنى أن لو لم يرزقه الله هذا الولد. والقصص في سورة الكهف دليل واضح على ذلك؛ فلولا أن الخضر خرق السفينة لصادرها الملك، ولولا أن الخضر قتل الغلام لأرهق والديه طغياناً وكفراً، … مع أن أصحاب السفينة حزنوا وغضبوا للخرق الذي أحدثه الخضر عليه السلام في السفينة، قبل علمهم بنية الملك مصادرة السفن الصالحة، والوالدان حزنا كثيراً على فقد ولدهما، ولو علما مآلات الأمور وكيف ستكون حياة هذا الغلام لما تمنيا حياته؛ فمن الصعب جداً جداً أن يكون لوالدين صالحين ولد فاسد كافر…. وهكذا. لهذا قال العلماء: لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع. أي لاخترتم ما اختاره الله تعالى لكم وإن كان خلافَ مسائلكم.
ورحم الله ابن عطاء الله السكندري، فقد قرر هذه الحقيقة في الحكمة التي قال فيها: ” لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك، فقد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد”. فهذه الحكمة تبين أن الله تعالى يعلم ما هو الخير لعبده، وأنه قد يؤخر الإجابة لحكمة يعلمها وحده وأن علينا أن نثق بحكمته سبحانه، مع الاستمرار بالدعاء والسؤال.
وأذكّر السائل بقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60] يبين ربنا سبحانه في هذه الآية أن الدعاء نوع من العبادة لأن الله تعالى أمر أولاً بالدعاء ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي)، ثم قال بعد ذلك (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي)، وهذا يشي أن الدعاء هو لتحقيق العبودية لذي الجلال والإكرام، أما الاستجابة فلها شأن آخر يعلمه علاّم الغيوب.
كما وأذكّر السائل بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ». (1)
وأخيرًا: أخي السائل تذكّر حين تدعو ربك أنك لا تدعوه لأنه قد ينسى فتذكره بالدعاء، أو قد يغفل فتنبهه بالدعاء، وإنما تدعوه عبودية وافتقاراً إليه، فنحن عبيد أمورنا وشؤوننا بيد سيدنا ومالكنا، وهو أمر عباده أن يسألوه حين قال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60] فنحن ندعوه امتثالاً لأننا عبيد، ولأن نبيه المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ غَضِبَ الله عليه “. (2) ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أيضاً:
” إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ “، ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) [غافر: 60]. (3)
لهذا أخي السائل لا تيأس ولا تضجر من تأخر الإجابة، وثق بربك الذي قال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: 81]
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): سنن الترمذي (3573).
(2): مسند أحمد (9701)، الأدب المفرد للبخاري (658).
(3): مسند أحمد (18433).
الشيخ أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.